سياسة الكيل بمكيالين.. زلزال تركيا وسوريا كشف ازدواجية المساعدات الإنسانية
خبير لـ«جسور بوست»: المساعدات ترتبط بالوزن السياسي للدول
بتسجيل 7.8 درجة على مقياس ريختر، أسفر زلزال مدمر طال عدة دول أبرزها تركيا وسوريا عن خراب مروع وخسائر فادحة في الأرواح والبنى التحتية.
وفجر الاثنين، قُتل وأصيب الآلاف في زلزال قوي ضرب جنوب شرقي تركيا قرب الحدود السورية وأجزاء واسعة من شمال وغرب سوريا، وأعقب ذلك زلزال آخر بالشدة نفسها تقريبا شمالي غازي عنتاب في تركيا.
وتقدر تكلفة الدمار الذي طال المنشآت والبنى التحتية بمليارات الدولارات، لا سيما مع متطلبات إعادة الإعمار وتعويض الناجين، الأمر الذي ينذر بتحميل الحكومات أعباء ثقيلة.
ورغم أن الزلزال لم يفرق في قوة تدميره بين تركيا وسوريا، لكن سياسة الازدواجية والكيل بمكيالين طالت ضحايا الزلزال في البلد الأخير.
وخلف الزلزال -حتى الآن- ما يزيد على 16 ألف قتيل من تركيا وسوريا -في حصيلة غير نهائية- إضافة إلى نحو 60 ألف مصاب في البلدين، ما استدعى انتفاضة العالم لتقديم المساعدات الإغاثية.
وتوقعت منظمة الصحة العالمية أن يصل عدد المتضررين بالزلزال المدمر إلى 23 مليونا، بعدما حذرت من احتمال تضاعف أعداد الضحايا.
ورغم أن سوريا هي البلد الأكثر فقرا واحتياجا وتمزقا سياسيا فإن بوصلة المساعدات العالمية لم تتجه إليها كما هي الحال في تركيا نتيجة العزلة الدولية والعقوبات المفروضة على النظام السوري برئاسة بشار الأسد.
على الجانب المقابل، تلقت تركيا العديد من المساعدات الإغاثية والعروض لإرسال فرق الإنقاذ لمواجهة الكارثة الإنسانية غير المسبوقة.
وأعلنت دول العالم استنفارها لتقديم المساعدات، لكن أغلبها وجِّه إلى الشعب التركي، فيما تم تجاهل الجانب السوري لتزداد الأزمة تفاقما.
وتداول مغردون من مختلف دول العالم مقاطع مصورة تظهر حالة الدمار والخراب التي يواجهها السوريون بالتزامن مع موجة برد قارس زادت من تعقيد الأزمة.
وظهر في معظم مقاطع الفيديو عمال إنقاذ سوريون يعملون بالأيدي دون استخدام معدات أو جرافات وسط صرخات واستغاثات المواطنين المنكوبين.
ولا يزال يرقد تحت الأنقاض آلاف الضحايا الذين يحتاجون إلى التعامل الإغاثي السريع لإنقاذهم وانتشال الضحايا والعالقين تحت أنقاض الأبنية التي دمرها الزلزال.
ازدواجية المساعدات
سارعت العديد من دول العالم إلى تقديم المساعدات لإنقاذ الضحايا، لكن معظم الدعم توجه بشكل رئيسي إلى تركيا التي أطلقت نداء استغاثة قبل أن تحذو سوريا حذوها.
وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن، على حسابه الرسمي على تويتر: "طلبت من أجهزتي أن تواصل متابعة الوضع عن كثب بالتنسيق مع تركيا وتقديم كل المساعدة الضرورية أيّا كانت".
وأوضح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن بلاده مستعدة لتوفير مساعدة عاجلة، ومن المقرر أن يتوجه 139 من عمال الإنقاذ التابعين للأمن المدني إلى تركيا، بحسب وزير الداخلية جيرالد دارمانان.
وتعتزم إيطاليا وضع عناصر الحماية المدنية في التصرف لإنقاذ الضحايا في تركيا، بحسب تغريدة لوزير خارجيتها أنتونيو تاجاني.
بدوره، قال وزير خارجية إسبانيا خوسيه مانويل ألباريس في تغريدة إن بلاده "حشدت على الفور أفراداً ومسيرات للتوجه نحو ملطية (تركيا) حيث يقع مركز المساعدة الدولية"، إلى جانب إرسال 85 من رجال الإنقاذ إلى تركيا.
وفي بولندا، أعلن وزير الداخلية ماريوس كامينسكي "إرسال 76 من عناصر الإطفاء وثمانية كلاب إنقاذ إلى تركيا".
ورغم توتو العلاقات بين الجارتين أنقرة وأثينا، تعهدت اليونان بـ"توفير كل قواتها وإرسال نحو 20 رجل إطفاء ومساعدات إنسانية إلى تركيا"، بحسب رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس.
وأكدت السويد -على لسان رئيس وزرائها أولف كريسترسون- أنها "كشريك لتركيا ومكلفة برئاسة الاتحاد الأوروبي مستعدة لتقديم كامل مساعدتها".
بدوره، قال رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك في تغريدة عبر حسابه على تويتر، إن "المملكة المتحدة مستعدة لتقديم المساعدة بأي طريقة ممكنة لمواجهة الكارثة".
ثم أعلن وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي "مساعدة فورية" مع إرسال 76 من رجال الإنقاذ والمعدات والكلاب إلى تركيا.
ولم تذكر تلك الدول الأوروبية توجيه مساعدات مماثلة إلى الجانب السوري الذي طال مواطنيه الخراب والدمار في ظل تمزق واهتراء سياسي متواصل منذ أكثر من 10 سنوات.
محاولة للإنصاف
ووجَّه رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، بإنشاء مستشفى ميداني وإرسال فريقي بحث وإنقاذ إضافة إلى إمدادات إغاثية عاجلة إلى المتأثرين من الزلزال في كل من تركيا وسوريا، لتستفيد منها الأسر في المناطق الأكثر تأثراً بتداعيات الزلزال.
ومن جانبه، أشار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أن بلاده "أرسلت عمال إنقاذ إلى سوريا وتركيا"، وذلك بعد أن أعلن الكرملين إجراء اتصال هاتفي مع نظيريه التركي رجب طيب أردوغان والسوري بشار الأسد.
وقالت الوكالة الصينية الرسمية للمساعدات الخارجية إنها على اتصال بالسلطات التركية والسورية على السواء، وأكدت أنها "مستعدة لتقديم مساعدات إنسانية طارئة".
ووجَّه أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر بإنشاء جسر جوي لإرسال مساعدات وطواقم طبية عاجلة إلى تركيا جراء الزلزال، فيما أعرب وزير الخارجية الشيخ سالم عبدالله الجابر عن "تعاطف الكويت وتضامنها مع ضحايا الزلزال المدمر الذي ضرب شمال ووسط سوريا وجنوب تركيا".
ومن جانبه، قال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في تغريدة عبر حسابه على تويتر، إن بلاده "مستعدة لتقديم كل مساعدة ممكنة لتركيا علاوة على المساعدة والدعم إلى الشعب السوري".
الوزن السياسي
وتعقيبا على ازدواجية المساعدات الإنسانية، قال الدكتور بهاء محمود، الباحث المتخصص في العلاقات الدولية، إن البيانات العالمية أظهرت توجيه معظم المساعدات الإنسانية لإنقاذ ضحايا الزلزال إلى تركيا أكثر من سوريا.
وعزا محمود، في تصريح لـ"جسور بوست" أسباب ذلك إلى التفرقة في الوزن السياسي بين تركيا وسوريا، إذ تعد الأولى لاعباً أكبر وأهم في القضايا الدولية الكبرى مثل الهجرة والأمن وحلف الناتو، فيما تعتبر معظم الدول الأجنبية أن النظام السوري معادٍ للديمقراطية.
وأوضح أن المساعدات الإنسانية عادة ما تتخذ طابعا سياسيا لا ريبة فيه، وهو ما ظهر في الحرب الروسية على أوكرانيا، حيث بدت التفرقة الواضحة في التعامل مع اللاجئين الأوروبيين مقارنة باللاجئين العرب أو الشرق أوسطيين.
وتابع: "سيكون هناك تركيز أكبر خلال الفترة المقبلة مع تركيا أكثر من سوريا التي لا تجد حتى الآن تضامنا قويا، وبالتالي المشهد سيكون منقسماً في الدول الإقليمية بناء على العلاقات مع تركيا أو النظام السوري".
ووصف المختصون الزلزالَ بأنه الأكبر في تاريخ المنطقة، ولا يقترب منه في القوة سوى زلزال أرزينجان الذي حدث في شمال شرقي تركيا عام 1939، والذي تسبب في أضرار كبيرة في ذلك الوقت.